Blogroll

عدالة الرواة والصحابة

البحث

أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلا ضابطا لما يروي. وتفصيله: أن يكون مسلما بالغا عاقلا سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة، متيقظا غير مغفل،حافظا إن حدّث من حفظه، ضابطا لكتابة إن حدث من كتابه. وإن كان يحدّث بالمعنى اُشترط فيه مع ذلك أن يكون عالما بما يحيل المعاني".[1] لكن هنا سنبحث من مفهوم عدالة الراوى فقط.
أ‌.        المفهوم عدالة الراوي
و العدالة هي مَلَكَةٌ تَحمِل صاحبَها على التقوى، واجتناب الأدناس وما يخل بالمروءة عند الناس.[2] وعند عمر هاشم, المراد بعدالة ملكة نفسية تحمل صاحبها علي ملازمة التقوى و المروءة.[3] والإستنباط هذا, المراد بعدالة الراوي أن يكون موثوقا في دينه وذلك بأن يكون مسلما بالغا, عاقلا, سالما من أسباب الفسق و خوارم المروءة.[4]
شروط العدالة:
1.    الإسلام: لقوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}، وغير المسلم ليس من أهل الرضى قطعا[5]. و في القول, هو أخرج الكافر إنما يشترط في الأداء لا في التحمل. وقد يسمع الكافر شيئا من الرسول حال كفره و يؤديه بعد إسلامه و يقبل هذا منه لعدالته حال الأداء لا حال التحمل.[6]
2.    البلوغ: لأنه مناط تحمل المسؤلية، والتزام الواجبات وترك المحظورات.[7] و في القول, أخرج الصغير الذي لم يبلغ. إنما يشترط في حالة الأداء لأن الصغير قد يتحمل قبل البلوغ إلا أنه لا يقبل منه إلا إذا بلغ. لأن البالغ الذي مكلفا و يعرف الحساب و الجزاء ونحو ذلك يكون عنده خوف من أن يجازف في القول على رسول الله بخلاف الصغير فإنه لا يؤمن عليه أن يقول  على النبى مالم يقول لأنه ليس عنده الإدراك الواسع أو العقل الكامل الذي يجعله يخاف و ير تدع.[8]
3.    العقل: لأنه لا بد منه لحصول الصدق وضبط الكلام.[9] و في القول, أخرج المجنون. والجنون قسمان :
a.     هو الذي يكون ملازما للر في كل حال و يرد حديثه  مطلاقا
b.    هو الذي يعتري الإنسان في حال دون حال. فمثله تقبل روايته حال إفاقته, إذا توافرت فيه الشروط الأخرى و ترد حال جنونه.
 واشترط العقل معتبر في حالتي التحمل و الأداء إذ غير العاقل لا يتصور منه تحمل و لا أداء.[10]
4.    التقوى أو في الأخرى يقال بالسلامة من أسباب الفسوق: وهي اجتناب الكبائر وترك الإصرار على الصغائر. وعند عمر هاشم التقوى هي إمتثال المأمورات, و اجتناب المنهيات من نحو كفر أو فسق أو ما شكل ذلك. فالإنسان العدل لايقترف من الكبائر, ولايصير علي فعل صغيرة من الصغائر ولا يكون إعتقاده مخالفا لما كان عليه رسول الله عليه و سلم و لما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين. [11]
أما الكبائر فركوبها فسق قطعا، وكذا الاصرار على الصغائر، لأن الاصرار يجعلها كبيرة -والعياذ بالله- كما قالوا: "لا صغيرة مع الإصرار".
ودليل اشتراط التقوى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، وقوله عز من قائل: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} وهذه الآيات وإن كانت في الأموال ونحوها فإن الرواية للحديث دين، فهي أجدر من المال في أن يشترط لها هذا الشرط.
5.     السلامة من خوارم المروءة أي الاتصاف بالمروءة وترك ما يخل بها، وهو كل ما يحط من قدر الإنسان في العرف الاجتماعي الصحيح، مثل كثرة السخرية والاستخفاف، لأن من فعل ذلك كان قليل المبالاة، لا نأمن أن يستهتر في نقل الحديث النبوي. وعند عمر هاشم, المروءة فهي آداب نفسية تحمل صاحبها على التحلى بالفضائل والتخلي عن الرذائل, و الذي يخل بالمروءة يتخلص في أمرين:
1.    فعل الذنوب الصغائر التى تدل على الخسة كالسرقة
2.    فعل المباحات التى تورث الاحتقار و تذهب بالكرامة كالبول في الطريق, و فرط المزاح الخارج عن الأدب.[12]

هذه الخصال إذا توفرت في الراوي عرفت عدالته وكان صادقا، لأنها إذا اجتمعت حملت صاحبها على الصدق وصرفته عن الكذب لما توفر فيه من الدوافع الدينية والاجتماعية والنفسية، مع الادراك التام لتصرفاته وتحمل المسؤولية.[13]



[1] نور الدين عطير, منهج النقد في علوم الحديث.......78-79
[2] نور الدين عطير, منهج النقد في علوم الحديث.......78-79
[3] أحمد عمر هاشم, قواعد اصول الحديث (بيروت: دار الفكر...), 40
[4] أحمد عمر هاشم, قواعد اصول الحديث (بيروت: دار الفكر...), 40
[5]
[6] مصطفى بن إسماعيل السليماني, الجواهر السليمانية  شرح المنظومة البيقونية (رياض: دار الكيان 2006), 51
[7]
[8] مصطفى بن إسماعيل السليماني, الجواهر السليمانية  شرح المنظومة البيقونية (رياض: دار الكيان 2006), 51
[9]
[10] مصطفى بن إسماعيل السليماني, الجواهر السليمانية  شرح المنظومة البيقونية (رياض: دار الكيان 2006), 51
[11]أحمد عمر هاشم, قواعد اصول الحديث (بيروت: دار الفكر...), 40
[12]أحمد عمر هاشم, قواعد اصول الحديث (بيروت: دار الفكر...), 40  
[13] نور الدين عطير, منهج النقد في علوم الحديث....., 80
close
==[ Klik disini 1X ] [ Close ]==